استكمال سيرة الدجال 1.
ذكر ما يعصم من الدجال فمن
ذلك الاستعاذة من فتنته ، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح ، من غير [ ص: 200 ] وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة ، وأنه أمر أمته بذلك أيضا : " اللهم
إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن فتنة القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة
المسيح الدجال " . وذلك من حديث أنس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، وسعد
، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وغيرهم .
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي : والاستعاذة من
الدجال متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك حفظ آيات من سورة الكهف ، كما
قال أبو داود : حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، حدثنا سالم بن أبي الجعد ، عن معدان ، عن أبي
الدرداء ، يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حفظ عشر
آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال " . قال أبو داود : وكذا قال هشام الدستوائي ، عن قتادة ، إلا أنه قال : " من حفظ من
خواتيم سورة الكهف " . وقال شعبة ، عن قتادة : " من آخر الكهف
صفة الدجال ، قبحه الله ولعنه وأخزاه وأخساه
قد تقدم في الأحاديث أنه أعور ، وأنه أزهر هجان فيلماني ، وهو كثير الشعر ، وفي بعض الأحاديث أنه قصير أفحج . وفي حديث أنه طويل ، وجاء أن ما بين أذني حماره أربعون ذراعا ، كما تقدم في حديث جابر ، ويروى في حديث آخر : سبعون باعا . ولا يصح ، وفي الأول نظر .
وقال عبدان في كتاب " معرفة الصحابة " : روى سفيان الثوري ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن حوط العبدي ، عن ابن مسعود ، قال : أذن حمار الدجال تظل سبعين ألفا .
قال شيخنا الحافظ الذهبي : حوط مجهول ، والخبر منكر .
وإن بين عينيه مكتوب كافر ، يقرؤه كل مؤمن ، وإن رأسه من ورائه كأنه أصلة - أي حية - لعله طويل الرأس .
وقال حنبل بن إسحاق : حدثنا حجاج ، حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال : دخلت المسجد ، فإذا الناس قد تكابوا على رجل ، فسمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن بعدي الكذاب المضل ، وإن رأسه من [ ص: 209 ] ورائه حبك حبك " . وقد تقدم له شاهد من وجه آخر ، ومعنى حبك أي : جعد خشن ، كقوله : والسماء ذات الحبك [ الذاريات : 7 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا المسعودي وأبو النضر ، حدثنا المسعودي ، المعنى ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خرجت إليكم ، وقد بينت لي ليلة القدر ، ومسيح الضلالة . فكان تلاح بين رجلين بسدة المسجد ، فأتيتهما; لأحجز بينهما ، فأنسيتهما ، وسأشدو لكم منهما شدوا ، أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وترا ، وأما مسيح الضلالة ، فإنه أعور العين ، أجلى الجبهة ، عريض النحر ، فيه دفا ، كأنه قطن بن عبد العزى " . قال : يا رسول الله ، هل يضرني شبهه؟ قال : " لا . أنت امرؤ مسلم ، وهو امرؤ كافر " . تفرد به أحمد; وإسناده حسن .
وقال الطبراني : حدثنا أبو شعيب الحراني ، حدثنا إسحاق بن موسى ( ح ) ، وحدثنا محمد بن شعيب الأصبهاني ، حدثنا سعيد بن عنبسة قالا : حدثنا [ ص: 210 ] سعيد بن محمد الثقفي ، حدثنا حلام بن صالح ، أخبرني سليمان بن شهاب العبسي قال : نزل علي عبد الله بن مغنم ، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الدجال ليس به خفاء ، إنه يجيء من قبل المشرق ، فيدعو إلى حق ، فيتبع ، وينتصب للناس فيقاتلهم ، فيظهر عليهم ، فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة ، فيظهر دين الله ، ويعمل به ، فيتبع ويحب على ذلك ، ثم يقول بعد ذلك : إني نبي . فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه ، فيمكث بعد ذلك ، حتى يقول : أنا الله . فتعمش عينه ، وتقطع أذنه ، ويكتب بين عينيه كافر ، فلا يخفى على كل مسلم ، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، ويكون أصحابه وجنوده المجوس واليهود والنصارى ، وهذه الأعاجم من المشركين ، ثم يدعو برجل فيما يرون ، فيؤمر به فيقتل ، ثم يقطع أعضاءه ، كل عضو على حدة ، فيفرق بينها حتى يراه الناس ، ثم يجمع بينها ، ثم يضربه بعصاه ، فإذا هو قائم ، فيقول : أنا الله ، أحيي وأميت ، وذلك كله سحر يسحر به أعين الناس ، ليس يصنع من ذلك شيئا " .
قال شيخنا الذهبي : ورواه يحيى بن موسى خت ، عن
سعيد بن محمد الثقفي ، وهو واه ، وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال في
الدجال : هو صافي بن صائد ، يخرج من يهودية أصبهان على حمار أبتر ، ما بين [ ص:
211 ] أذنيه أربعون ذراعا ، وما بين حافره إلى الحافر الآخر أربع ليال ، يتناول
السماء بيده ، أمامه جبل من دخان ، وخلفه جبل آخر ، مكتوب بين عينيه كافر ، يقول :
أنا ربكم الأعلى ، أتباعه أصحاب الربا وأولاد الزنا . رواه أبو عمرو الداني في
كتاب " أخبار الدجال " ، ولا يصح إسناده ..
[ ص:
201 ] وقد رواه مسلم من حديث همام ، وهشام ، وشعبة ، عن
قتادة ، به ، بألفاظ مختلفة ، وقال الترمذي : حسن صحيح . وفي بعض رواياته : "
الثلاث آيات من أول سورة الكهف " . ورواه أحمد ، عن يزيد
بن هارون ، وعفان وعبد الصمد ، عن همام ، عن قتادة به : " من حفظ عشر
آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال " .
وكذلك رواه عن روح ، عن سعيد ، عن قتادة بمثله ، ورواه
عن حسين ، عن شيبان ، عن قتادة كذلك ، وقد رواه عن غندر وحجاج ، عن شعبة ، عن
قتادة وقال : " من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف عصم من
فتنة الدجال " .
ومن ذلك الابتعاد عنه فلا يراه; فإن من رآه افتتن ، كما
تقدم في حديث عمران بن حصين :
" من سمع بالدجال فلينأ عنه ،
فوالله إن المؤمن ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه; لما يبعث به من الشبهات " .
[ ص:
202 ] ومما يعصم من فتنة الدجال
سكنى المدينة النبوية ومكة ، شرفهما الله
تعالى ، فقد روى البخاري ومسلم ، من حديث الإمام مالك ، رضي
الله عنه ، عن نعيم المجمر ، عن أبي هريرة ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال :
" على أنقاب المدينة ملائكة ،
لا يدخلها الطاعون ولا الدجال "
.
وقال البخاري : حدثنا عبد العزيز
بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي بكرة ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال :
" لا يدخل المدينة رعب المسيح
الدجال; لها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان " . وقد روى هذا جماعة من الصحابة
منهم; أبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وسلمة بن الأكوع ، ومحجن بن الأدرع ، كما تقدم .
وقال الترمذي : حدثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي ،
حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي
الدجال المدينة ، فيجد الملائكة يحرسونها ، فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال ، إن
شاء الله " . وأخرجه البخاري عن يحيى بن موسى ،
وإسحاق بن أبي عيسى ، عن يزيد بن هارون به ، ثم قال
الترمذي : هذا حديث صحيح ، وفي الباب عن أبي هريرة ، وفاطمة بنت
قيس ، ومحجن ، وأسامة ، وسمرة بن جندب . وقد ثبت في
الصحيح أنه لا يدخل مكة ولا المدينة تمنعه الملائكة; لشرف هاتين [ ص: 203 ] البقعتين ،
فهما حرمان آمنان ، وإنما إذا نزل عند سبخة المدينة ترجف بأهلها ثلاث رجفات ، إما
حسا ، وإما معنى ، على القولين ، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة ، فيومئذ تنفي
المدينة خبثها ، وينصع طيبها ، كما تقدم .
ملخص سيرة الدجال ، لعنه
الله تعالى
هو رجل من بني آدم ، خلقه الله تعالى ، ليكون محنة واختبارا
للناس في آخر الزمان ، فيضل به كثيرا ، ويهدي به كثيرا ، وما يضل به إلا الفاسقين .
وقد روى الحافظ أحمد بن علي الأبار ، في " تاريخه
" ، من طريق مجالد ، عن الشعبي ، أنه قال : كنية الدجال أبو يوسف . وقد روي عن عمر
بن الخطاب وأبي ذر وجابر بن
عبد الله ، وغيرهم من الصحابة ، كما تقدم ، أنه ابن صياد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ،
حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي
بكرة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يمكث أبوا الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ، ثم يولد لهما
غلام أعور أضر شيء ، وأقله نفعا ، تنام عيناه ، ولا ينام قلبه " . ثم نعت
أبويه ، فقال : " أبوه رجل طويل ، مضطرب اللحم ، طويل الأنف ، كأن أنفه منقار
، وأمه امرأة [ ص: 204 ] فرضاخية ، عظيمة الثديين " . قال : فبلغنا أن مولودا من
اليهود ولد بالمدينة ، فانطلقت أنا والزبير بن العوام ، حتى دخلنا على أبويه ، فرأينا فيهما نعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة ، له همهمة ، فسألنا أبويه ، فقالا :
مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ، ثم ولد لنا غلام أعور ، أضر شيء ، وأقله نفعا . فلما خرجنا
مررنا به ، فقال : ما كنتما فيه؟ قلنا : وسمعت؟ قال : نعم ، إنه تنام عيناي ، ولا
ينام قلبي . فإذا هو ابن صياد .
وأخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة ، وقال : حسن غريب
. قلت : بل هو منكر جدا . والله أعلم
.
وقد كان ابن صياد من يهود المدينة ، وقيل : كان من
الأنصار . واسمه عبد الله ، ويقال
: صاف .
وقد جاء هذا وهذا ، وقد يكون أصل اسمه صاف ، ثم تسمى لما
أسلم بعبد الله ، وكان ابنه عمارة بن عبد الله من سادات التابعين ، روى عنه مالك
وغيره ، وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد ، وأن ابن صياد كان دجالا من
الدجاجلة ، ثم تيب عليه بعد ذلك ، فأظهر الإسلام .
[ ص:
205 ] والله أعلم بضميره وسريرته .
وأما الدجال الأكبر فهو المذكور في حديث فاطمة بنت قيس ،
الذي روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري ، وفيه
قصة الجساسة ، ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان ، بعد فتح المسلمين مدينة الروم
المسماة بقسطنطينية ، فيكون بدو ظهوره من أصبهان من حارة بها يقال لها : اليهودية
. وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي ، عليهم الأسلحة والسيجان ، وهى الطيالسة الخضر
، وكذلك ينصره سبعون ألفا من التتار ، وخلق من أهل خراسان ، فيظهر أولا في صورة ملك
من الملوك الجبابرة ، ثم يدعي النبوة ، ثم يدعي الربوبية ، فيتبعه على ذلك الجهلة
من بني آدم ، والطغام من الرعاع والعوام ، ويخالفه ويرد عليه من هداه الله من
عباده الصالحين ، وحزب الله المتقين ، ويتدنى فيأخذ البلاد بلدا بلدا ، وحصنا حصنا
، وإقليما إقليما ، وكورة كورة ، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله ،
غير مكة والمدينة ، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ،
ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيام الناس هذه ، ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف ، وقد خلق
الله على يديه خوارق كثيرة ، يضل بها من [ ص: 206 ] يشاء من خلقه ، ويثبت معها
المؤمنون ، فيزدادون بها إيمانا مع إيمانهم ، وهدى إلى هداهم ، ويكون نزول عيسى ابن مريم ، عليه الصلاة والسلام ، مسيح الهدى في أيام
المسيح الدجال مسيح الضلالة على المنارة الشرقية بدمشق ، فيجتمع عليه
المؤمنون ، ويلتفت معه عباد الله المتقون ، فيسير بهم قاصدا نحو الدجال ، وقد توجه
نحو بيت المقدس ، فيدركه عند عقبة أفيق ، فينهزم منه الدجال ، فيلحقه عند باب
مدينة لد فيقتله بحربته ، وهو داخل إليها ، ويقول له : إن لي فيك ضربة لن تفوتني .
وإذا واجهه الدجال انماع كما ينماع الملح في الماء ، فيدركه عند باب لد ، فتكون
وفاته هنالك ، لعنه الله ، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه ، كما تقدم
، وكما سيأتي .
وقد قال الترمذي : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث ،
عن ابن شهاب ، أنه سمع عبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة الأنصاري يحدث عن عبد الرحمن
بن يزيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف يقول : سمعت عمي مجمع بن جارية الأنصاري يقول
: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يقتل ابن
مريم الدجال بباب لد "
.
[ ص:
207 ] وقد رواه أحمد ، عن أبي النضر ، عن الليث ، عن
الزهري ، به . وعن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، به . وعن محمد بن مصعب ، عن
الأوزاعي ، عن الزهري ، به . وعن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، فهو محفوظ من
حديثه ، وإسناده من بعده ثقات ، ولهذا قال الترمذي بعد روايته له : هذا حديث
" صحيح . قال : وفي الباب عن عمران بن حصين ، ونافع بن عتبة ، وأبي برزة ، وحذيفة بن أسيد ، وأبي هريرة ، وكيسان
، وعثمان بن أبي العاص ، وجابر ، وأبي أمامة ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عمرو ، وسمرة بن جندب ، والنواس بن
سمعان ، وعمرو بن عوف ، وحذيفة بن اليمان .
وروى أبو بكر بن أبي شيبة ، عن سفيان بن عيينة ، عن
الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، أن عمر سأل يهوديا عن الدجال ، فقال : وإله يهود
ليقتلنه ابن مريم بفناء لد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق